السيد البدوي . ما بين الحقيقة والخرافة
كتابة : محمد امير
مولانا
السيد احمد البدوي .. حقيقي ام لا ؟؟
انا
بتكلم بالتاريخ والورق، مليش دعوة بقا بإيمانك وتعظيمك الشخصي، الجانب التاريخي
فقط، وهبدأ بسؤال سهل جدا .. - ليه
الكتابة في التاريخ صعبة مع انها متبانش صعبة اوي للناس يعني؟ يعني معلش مهو اسهل
حاجة لو عايز اكتب عن شخصية تاريخية مثلا، اكتب اسمه على جوجل، اقرا عنه شوية،
واقوم كاتب عنه هنا عالفيس او مقال على صحيفة وشكرا، بمصادره وكتبه ومش هكون
غلطان، بس هاجي اقولك لا الموضوع مش سهل اوي كدة، الموضوع متشعب بشكل يخلي عقلك
نفسه ميبقاش قادر يستوعب الحقيقة كاملة، وهديك مثال بسيط في شخصية اثارت الجدل
اليومين اللي فاتوا، والحكم في النهاية ليكم. - السيد احمد البدوي، ابو الفتيان وابو اللثامين وجالب اليسرى، اللي
مقامه في طنطا زي محنا عارفين . بعيدا عن
الخناقة اللي دايرة بين انصار السيد البدوي ومريديه اللي شايفينه ولي من اولياء
الله او انه عبد صالح، وبين اللي شايفينه متشيّع ودعى للكفر بالله، مابين الفريقين
دول فا تطور شخصية السيد البدوي تاريخيا غامضة جدا جدا لدرجة شككت الناس في وجود
شخص اسمه السيد البدوي اصلا، واحدة واحدة نشوف مع بعض . السيد البدوي كشخصية حقيقية عاشت وماتت على ارض مصر، اتولد سنة ٥٩٦
هجريا ومات سنة ٦٧٩ هجريا، نركز في التواريخ بعد اذنكوا، في عهد الايوبيين
والمماليك بداية من الملك الكامل، وقصته معروفة بدون الخوض في تفاصيلها عن كونه
كان عابد صالح وسكن سطوح البيت وتوفي واتحول قبره لزاوية ومقام الخ. انما الغريب، ان السيد البدوي لمعاصريه او اللي جم بعديه بفترة قصيرة
من المؤرخين اللي اهتموا بأعلام زمانهم، خصوصا وفيات ومواليد الزمن اللي عاش فيه
السيد البدوي، تجاهلوا ذكره تماما، لدرجة شككت الباحثين في وجوده من الاصل، على
سبيل المثال الامام الذهبي في كتاب "الاسلام والعبر" وابن الوردي في
تاريخ الاعيان، وابن كثير في البداية والنهاية، والملك المؤيد ابو فداء في
"المختصر في اخبار البشر" اللي مسابش حد الا واتكلم عنه، وكلهم عاشوا في
القرن ال٨ الهجري، طب واحد كان مشهور بكراماته ومريديه وصيته مسمع وشاف الدسوقي
واقطاب العلم والصوفية، ليه متوصلش سيرته لمعاصريه والاقرب ليه؟ غريبة صح؟ طيب
نقدم بالزمن شوية، اول ذكر للسيد البدوي في الكتب او التراجم كان "ابن
الملقن" وذكره بعد ١٥٠ سنة تقريبا من وفاة السيد البدوي، والغريب اكتر انه
اتكلم عنه في سطرين بشكل عام بكونه "المعروف بالسطوحي، و أحد تلاميذ الشيخ
ابو نعيم العراقي صاحب سيدي احمد الرفاعي" وبس، دا كل اللي قاله عنه في كتاب
"طبقات الاولياء ص٢٨٩" ، انه تلميذ لشيخ، لا قال عنه علم ولا شيخ ولا من
الاولياء، وده يعتبر اقرب اللي اتكلموا عنه لعصر السيد البدوي. التطور الاول لشخصية السيد البدوي في التاريخ كان في كتاب النجوم
الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، نقلا عن جلال الدين الاتابكي
المتوفي سنة ٨٧٤ هجريا، وهنا وللمرة الاولى اضاف سطر في حياة السيد البدوي انه كان
عنده كرامات وان قبره بيقصد للزيارة في طندتا "طنطا" وانه كان بيلبس
لثامين على وشه صيف وشتا "يعني محدش شاف وشه الا قليل اوي" (ص٢٥٢ الجزء
السابع)
يعني اول ذكر تقريبا
لانه ولي مشهور او ليه كرامات الى حد ما كان في القرن ال٩ هجريا، ومكنش بردو
بالشكل الكبير اللي عارفينه عنه، يعني تدريجيا سيرته كانت بتكبر مع مرور الوقت،
وده بعد قرنين من وفاته، مش قريب اوي يعني. نيجي بقا للمرحلة الكبرى من مراحل تطور ذكر السيد البدوي في كتب
التاريخ، مرحلة الامام الشعراني في القرن العاشر هجريا، واللي ذكر سيرته بكراماته
ومعجزاته، ونسبه للنبي وذكر ان عيلته من ال البيت واللي هربوا من الحجاج بن يوسف
اللي كان بيقتل ال البيت، وبدأت قصة السيد البدوي تتعرف وتتقال في التاريخ
بالتفاصيل بعد ٣ قرون من وفاته. هنا فيه
عاملين مهمين نقدر نقول انهم اثروا على ذكر وتطور سيرة السيد البدوي .. - العامل الاول هو فترة الحكم العثماني لمصر بعد سليم الاول ١٥١٧م،
واللي بعيدا عن كونها حملة صالحة او غازية مش هنخوض في سيرتها كتير احتراما للناس،
الا انها في النهاية حرب وليها اثرها، واثرت في مصر بأنها زادت من نشر الجهل بين
العامة بسبب تداعيات اقتصادية وسياسية، والتبرك والمغالاة في سير الاولياء لانها
كانت مكسب لبعض الناس وقتها، يعني شغلانة بتجيب فلوس انك يبقا عندك مقام تخلي
الناس تيجي تدفع فلوس وتتبرك بيه، فا طبيعي كان الناس بتغالي وتزيد من كرامات
المدفونين، عشان اكل العيش - العامل
التاني هو الشعراني نفسه، الشعراني كان ليه اعداء كتير، ولما سافر مرة يحج استغل
الحاسدين غيابه ونسبوا ليه كلام كتير وكتب اكتر كلها خرافات وقصص وحاجات محصلتش
عشان يوقعوه، الشعراني نفسه اتبرأ من كتابات كتير دخلت عليه في حياته، فا طبيعي
هنلاقي كلام كتير دخيل وفيه معجزات وابيات شعر تمجد في قدسية بعض الاشخاص، وهي دي
الفترة اللي طلعت فيها حكاية كرامات السيد البدوي تفصيليا، فا تحتمل الصواب والخطأ. على الرغم من كل ده الا ان الشعراني يعتبر اهم مصدر لحياة السيد
البدوي، واللي نقل من بعديه المؤرخين ورجال الدين سيرته، اضافوا عليها او شالوا
منها، على سبيل المثال المنياوي اللي اضاف نسب السيد البدوي لآل البيت، وفي نفس
الجملة نفاها واثبت نسبه لعرب الشام "الكواكب الدرية ص٦٢ الجزء ٢" وكذلك
بن عماد في كتاب "شذرات الذهب" اللي جزم بنسبه لآل البيت. القصة من هنا من اول القرن ال١١ هجريا تقريبا، بتبدأ تاخد منحنى جديد،
وهي تعظيم شخصية السيد البدوي بشكل اكبر، والغلو في سيرته بشكل اكبر بكتير، فا
هنلاقي ان ابو علي الكوهن الفاسي في كتاب "طبقات الشاذلية الكبرى" بيبدأ
يعلّي اكتر في شخصية السيد البدوي فا بينسب ليه قصيدة شعر فيها ان السيد البدوي
قابل النبي في الحج وان النبي رد بقصيدة شعر على السيد البدوي بيوصفه فيه بأنه
الاصل وانه "اجتمع الفرع باالقصة من هنا من اول القرن ال١١ هجريا تقريبا،
بتبدأ تاخد منحنى جديد، وهي تعظيم شخصية السيد البدوي بشكل اكبر، والغلو في سيرته
بشكل اكبر بكتير، فا هنلاقي ان ابو علي الكوهن الفاسي في كتاب "طبقات
الشاذلية الكبرى" بيبدأ يعلّي اكتر في شخصية السيد البدوي فا بينسب ليه قصيدة
شعر فيها ان السيد البدوي قابل النبي في الحج وان النبي رد بقصيدة شعر على السيد
البدوي بيوصفه فيه بأنه الاصل وانه "اجتمع الفرع بالأصول" ، تحول جديد
في سيرته التاريخية مع الوقت. ومن هنا
ونقلا عن الشعراني وفي عز حكم العثمانيين والتخبط اللي حصل بعد كدة في مصر، بدأ
الكلام عن كراماته، وازاي ان محدش كان ينفع يبص لوشه والا هيصعك، وازاي كان عايش
فوق سطوح بيته طول حياته، وازاي كان بينقذ الاسرى المصريين من الصليبيين بنفسه حتى
بعد وفاته، الحادثة دي بالذات شرحها عامر النجار في كتابه "الطرق الصوفية في
مصر" بأن القصة كلها ان الاوقاف المصرية كانت بتجيب الغنايم بتاعت جيش لويس
التاسع "دروع وسيوف" وتخزنهم في مسجد السيد البدوي في طنطا، فا لما
كانوا بيمشوا، كان الدراويش من مريديه بيدخلوا المخزن يلبسوا الدروع دي ويعملوا
مواكب ويبدأوا يقولوا انهم الاسرى المصريين اللي رجعهم السيد البدوي من الاسر في
اوروبا، عشان يجذبوا الناس اكتر للمقام ويكسبوا فلوس منهم، ونسبوا كل ده للسيد
البدوي
. طيب زي ما فيه اللي
اتكلم عن كراماته، فيه اللي اتهم السيد البدوي بأنه شخصية شيعية كانت موجودة
وبتسعى لارجاع الفكر الشيعي لمصر، ونسبوا ليه احداث كتير فيها اهانة للدين، زي
مثلا انه كشف عورته وقت الصلاة، وبال في المنبر، وانه اخبر تلاميذه انه تجسد الله،
كما ذكر في "الضوء اللامح لاهل القرن التاسع" للحافظ السخاوي، وعلى اثر
ده بردو اتهاجمت شخصية السيد البدوي وانه كان مخبول وانه كان مدعي الوهية في كتب
كتير جدا، وفي المقابل فيه ائمة ذكروا انه كان عابد صالح وانسان كويس والناس بتحبه
زي الامام السيوطي، في النهاية كلهم بيرجعوا للي كتبوا عنه وعن تفاصيل حياته، اللي
اقرب قصة عنه كان بعد قرنين من وفاته، وفي ظروف سياسية مش لطيفة. المسجد نفسه في طنطا، كان زاوية صغيرة وقبر، اول اهتمام حقيقي بيه كان
في عصر علي بك الكبير بعد ما قصة السيد البدوي انتشرت وسمّعت، في القرن ال١٨
ميلاديا، وهو اللي بنى القباب والمقصورة واوقف لها الاوقاف عشان يصرف عليه،
واتحولت لقبلة للمريدين بعده، بشكل واسع في انحاء مصر والدول العربية من المهتمين
بالصوفية.
شخصية السيد البدوي
غريبة جدا وغامضة جدا تاريخيا، مفيش جزم على اي حاجة هو عملها، او على وجوده من
الاساس، فيه ناس بتتهمه بأنه شيعي جي يغير العقيدة، وناس بتتكلم في افضاله وصلاحه
وسنيته، وناس تالتة خالص بقا بتشكك في وجوده من الاصل وانه شخصية مخترعة عشان يبقا
لقمة عيش حلوة للمستفيدين، واللي شككهم في كدة مش بس قلة ذكره من معاصريه، لا دا
فيه سبب اكبر. ان السيد
البدوي مسبش مؤلفات، مكتبش حاجة، كل المنسوب ليه شوية ابيات شعرية منقولة في الكتب
المتأخرة، ووصايا لتلميذه عبد العال اللي هوا نفسه الناس بتشكك في وجوده وانه اسم
مصطنع بدوره، وده التاريخ المعروف كمان مش انا اللي بقول ولا الاعداء اللي
بيقولوا، بجملة الغرابة. يعني
تخيل شخصية مهمة زي دي ليها ضريح ومولد عالمي، ومش من بعيد اوي يعني دول كام سنة،
ممكن ميكونش شخصية حقيقية اصلا، لدرجة ان محدش في حياته شاف وشه بسبب اللثامين، او
اللي شافوه ووصفوه قليلين وبردو من المتأخرين. بعيدا عن السيد البدوي وكونه راجل فاضل وصالح وذو كرامات او كونه عكس
ما وصفوه، انا بردو بكرر انا مش بتكلم وبنتقد ولا بتهمه بحاجة ولا بدافع عنه، انا
هنا بوريك ازاي يقدر التاريخ يشكك في قواك العقلية بشوية بحث عشان بس تحاول تثبت
ان فيه شخصية حقيقية مدفونة في المقام ده وانه ليه سيرة، مش شخصية مخترعة او
اسطورة كبرت مع الوقت لحد ما بقت لحم ودم، يعني بأختصار شديد، انتا قدامك كتب
التاريخ اهوه، والمصادر اهيه بين ايديك، وقدامك المقام والمولد ومليون واحد
بيتكلموا عن كراماته، ومليون واحد بيتكلموا عن صلاحه، ومليون غيرهم بيتهموه بكونه
كافر بدين الله، ومليون غيرهم بيتهموه بتشيّعه وانه اداة لارجاع التشيّع السياسي،
تقدر تثبتلي دلوقتي في كونتت انه شخصية حقيقية وانها مش كذبة كبرت مع الوقت؟ عرفت
دلوقتي ان التاريخ مش سهل؟ مش اي حد "بما فيهم انا" ممكن يبقا مصدرك
للتاريخ او كلامه كله صح؟ لما ابسط حاجة في الدنيا انك بس تقولي ان الشخص ده كان
انسان حقيقي موجود محدش عارف يثبتها لحد دلوقتي، فما بالك بحياته وكراماته وحقيقة
ايمانه او كفره والفرق اللي لحد دلوقتي بتتخانق في الموضوع ده. فا اه .. الكتابة في التاريخ بالذات مش سهلة، على الرغم من اهميتها
وانه اكتر مجال متشعب ومهم لحفظ تراثك وعلمك وادبك وقصص سابقيك، الا انه مش سهل،
والبحث نفسه مش سهل، والحقيقة مش دايما في الكتب واللينكات، كل كتاب وراه شخص، وكل
شخص وراه غرض وايمان وفريق، والحاضر بيتزور فما بالك بالتاريخ البعيد؟
تعليقات
إرسال تعليق